بسم الله الرحمن الرحيملا ريب أن مشاكل كرتنا تتطلب مجلدات بأكملها لحصرها في الزمان و المكان، لكن هل تساءل واحد منا ذات يوم :لماذا نلعب نلعب كرة القدم أصلا ؟سؤال ـ و إن بدا بديهيا أول وهلة ـ فإنه يستحق عناء التفكير بالفعل؛ فالإنجليز اخترعوا ـ أو طوروا ـ كرة القدم من أجل المتعة أولا و أخيرا، ثم استغلت الشعبية الجارفة من طرف الديكتاتوريات في إطار الدعاوة أو البروباغندا لتحقيق مآرب سياسية تؤمن الكرسي/الجاه/السلطة، و في مرحلة أخيرة و بالضبط منذ سبعينيات القرن الماضي تحولت كرة القدم تدريجيا إلى صناعة تدر الأرباح الطائلة إلى أن صارت إلى ما صارت إليه من توحش مالي لا يرحم ضعيفا تعوزه المادة حتى و إن كانت مؤهلاته بحجم الجبالالخوض في هذا الخضم التاريخي و الفلسفي يدفعنا إلى طرح تساؤل ثان:ماذا نريد من خلال الكرة و أي هدف نسعى لبلوغه بالضبط عبرها ؟إذا اتفقنا أننا لا نبغي من المستديرة الساحرة إلا لحظات من المتعة و الأنس، وجب أن نقنع بالهواية مصيرا و مآلا؛ ففي نهاية الأمر الكرة مجرد جلد مدور تتقاذفه ريح تغير مجراها كل ثانية أنى شاءتإذا خلصنا إلى " المتعة " كهدف نهائي وجب أن نخفض سقف أحلامنا إلى الحد الأدنى و أن ننفق المجهود كله ـ و المال معه ـ في تدبير شؤون أكثر أهمية و فائدة لهذا الوطن الحبيب إلى قلوبناو لأن عين ابن آدم لا يملؤها إلا التراب فلن يقتنع أحد أبدا بالمتعة كهدف واحد أوحد من وراء الكرة؛ فمن المستحيل أن تقنع بالجلوس على حافة البركة بينما غيرك ينعم وسطها بالماء المنعش في يوم مشمس رائق...ما نريده إذن هو أن نساير الركب و ذلك لن يتأتى إلا بجعل الكرة ضلعا من أضلع الهوية و الثقافة الوطنيتين و تحويل مباريات منتخبنا و فرقنا في خرجاتها الإفريقية/العربية/الدولية إلى وسيلة لجمع الشمل و توحيد الرؤى حول قضايا مصيرية لهذا الوطن العزيز على قلوبنا جميعا...كرة القدم في العصر الحالي تحولت إلى صناعة قائمة الذات و الفرق غدت كالشركات همها الأول و الأخير تحقيق الأرباح لذلك صارت المتعة في خدمة النتيجة و ليس العكس؛ ففي برشلونة يدخلون ميسي حتى في أضعف المباريات لأن الجمهور لن يدفع إن لم يشاهد نجمه المفضل، و طبعا إن تراجعت المداخيل فهيبة النادي و مكانته و أغراضه " الإكسترا ـ رياضية " كلها في تراجعبلدنا انخرط منذ مدة في بناء ملاعب جديدة باستثمارات ضخمة لكن هل البنية التحتية وحدها تكفي ؟الجواب هو لا طبعا؛ فلا المنشآت وحدها تكفي و لا حتى المال الوفير إن لم يصرف في أوجهه الصحيحة، و إذا أردنا لكرتنا إقلاعا حقيقيا وجب علينا البدء من الصفر و فتح أوراش التسيير و التحكيم و التسويق الرياضي بنفس الجدية و الإرادة ـ النسبيتين ـ اللتين فتح بهما ملف البنية التحتية الرياضية، و الأهم هو أن نعيد النظر بشكل جذري في مفهوم " النادي الرياضي " الذي ما زال يتبوأ مكانة الجمعية في قوانيننا التي عشش عليها العنكبوت منذ زمن سحيقما يجب على دولتنا العزيزة أن تعيه ـ و أتحدث هنا عن الدولة لأن التغيير يتطلب إرادة سياسية على أعلى مستوى ـ هو أن الكرة لم تعد مجرد وسيلة للتسلية في عصر الناس هذا بل إنها أفيون الشعوب الحديث، فالكرة تحقق لدول ما يعجز أعتى السياسيين عن مجرد الحلم به و هي التي جعلت صوت دول لا تكاد ترى في الخريطة يبلغ أقاصي الأرض بعد أن عرف أولو الألباب فيها موضع الكتف من المستديرة ليأكلوا منه و يطعموا غيرهم...و هو حق مشروعلذلك خذوا وقتكم الكافي أيها السادة؛ خططوا و دبروا بروية ليتمخض الجبل عن جبل أعظم منه و ليس عن فأر لا حول له و لا قوة؛ فالعشوائية لا تولد إلا سوء التدبير و المزاجية في النتائج التي قد تحضر تارة لكنها تغيب أطوارا...الحظ لا يبتسم إلا للشجعان و اللبيب هو من يسعى ليخلق فرصته بنفسه أما الكسول فلا يملك إلا رفع أكف الضراعة إلى رب السماء ما دامت الأرض عاجزة عن حمل وزره.